♕ مقالة .. لابد للقيد أن ينكسر .. شم النسيم «(4)» ♕ بقلم الكاتب : د. علوي القاضي
«(4)» شم النسيم «(4)»
( من ذكريات الشباب )( لابد للقيد أن ينكسر)
بقلمي د/علوي القاضي.
... إستكمالا لما سبق ، فبعد لقاءي بمدير حديقة الحيوان وحوارنا عن الفيل ، الذي إستكان للقيد الحديدي في قدميه ، ولم يفكر للحظة أن يستغل قوته في الفكاك منه ، وبعد تفسيره المادي والمعنوي والنفسي لهذا الموقف لم يمر الموقف أمامي مرور الكرام
... فهذه الأمور لا تمر دون تحليل وتفسير نفسي وإجتماعي وإقتصادي وأحيانا سياسي ، فنحن في حقيقة الأمر أشبه بأفيال حديقة الحيوان ، إنني لا أعمم ، بل وأرفض التعميم ، ولكنني أتحدث عن الأغلبية الساحقة ، نشأنا منذ نعومة أظافرنا ، في ظل عادات وتقاليد وأفكار ومعتقدات لانملك لها رفضًا ، بل إن محاولة الرفض غير واردة أصلاً ، كيف نرفض مانعتقد أنه الحق المبين ؟! ، ولسان حالنا يقول (هذا ماألفينا عليه ٱباءنا وإنا على ٱثارهم لمهتدون)
... فأنت مثلاً إذا ذهبت إلى أحد السجون ، وتحاورت مع أحد القتلة الذين قاموا بالقتل أخذًا لثأر عائلي ، ستجده يدافع عن جريمته بل ويفتخر بوصفها عملاً رائعًا ، وحقًا مشروعًا ، ولن يقتنع بكل ماتقدمه له ، من حجج وأدلة منطقية ، على بشاعة ماقام به من إزهاق نفس ، بل قد تجده لايتورع عن القيام بالفعل نفسه لو عاد به الزمن إلى الوراء ، هكذا تربى ونشأ ، ورضع أفكاره ومعتقداته وعاداته وتقاليده ، على النحو نفسه الذي رضع به لبن الأم
... قس على ذلك كثيرًا من الأفكار والمفاهيم والمعتقدات والعادات والتقاليد ، التي تعوق تقدمنا ورقينا ، وتكبل حريتنا كبشر متحضرين
... ولماذا نذهب بعيدًا ونأتي بأمثلة عن القتلة والمجرمين ونزلاء السجون ، دعنا نتحدث عن المواطن العادي في مجتمعاتنا العربية والإسلامية ، نحن منذ طفولتنا المبكرة ، كنا محاصرين بالتنبيهات والإشارات والنصائح والأوامر والنواهي ، ومن تلك النصائح والأوامر التي كانت تُوجه إلينا دومًا (إحترم الكبير)
ولم يحرص من قام بتوجيه هذه النصيحة لنا أن يضع شرطًا بأن يكون هذا (الكبير) محترمًا من الأصل ونزيهًا ، بل المطلوب طاعة الكبير بصورة مطلقة حتى لو أمرنا بمعصية الله ، والغريب أنه يستشهد بالآية القرآنية الكريمة التي تقول (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) ، قد فهمها الناس في بلادنا ، على أنها تدعو إلى طاعة ولي الأمر طاعة عمياء ، وعدم مخالفته وعصيانه ، أيًا كان شأنه صالحًا أو طالحًا وفي كل الظروف والمناسبات سواء في البيت أو العمل أو ما شابه ذلك ونسي أن طاعة ولي الأمر مشتقة من طاعة الله ورسوله
... اللافت للنظر تفشي مبدأ الطاعة العمياء في أغلب مناحي حياتنا ناسين أو متناسين أنه (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) ، إذ نستجيب إلى أوامر المديرين ورؤساءنا في العمل ، حتى وإن كنا على يقين من عدم صواب تلك الأوامر الموجهة إلينا ، إعتدنا ذلك ، وهذا ما وجدنا عليه آباءنا وأجدادنا ، والغريب في الأمر أن المرؤوس الذي كان يحلو له دومًا الإستجابة العمياء لأوامر الرؤساء ، رغم قناعته بعدم صوابها ، ما إن يتول منصبًا كبيرًا ، فإنه يسارع إلى ممارسة القهر والإستبداد وفرض الرأي وإصدار الأوامر على زملائه الذين كان بالأمس واحدًا منهم ، فقد أصبح الخضوع والخنوع وتنفيذ الأوامر الصادرة إلينا جزءًا من تركيبتنا الجينية والنفسية ، وأقرب إلى الجينات الوراثية ، وإذا إستطردنا في حديثنا عن الأغلال الظاهرة والخفية ، فلن ننتهي
... والله المستعان
... تحياتي ...
تعليقات
إرسال تعليق